هبة القواس... صوت تعشقه الأذن

زكية الديراني-
لـــــم يــــكــــن افـــتـــتـــاح مهرجانات بيت الدين عادياً، بل عرف القيمون عليه كيف يلهبون شهية المستمع المتعطّش للفنّ الجميل، وذلك عبر الفنانة هبة القواس التي سرقت سمع ونظر المشاهد.

حملت القواس المشاهد إلى عالم آخر، عالم بعيد كل البعد عن يومنا الحالي ومشاكله، حيث يسيطر عليه الهدوﺀ والسلام والطمأنينة، ويغيب عنه الضجيج الروتيني الذي يؤرق السمع. القواس التي غنّت الاوبرا، ما هي إلا بداية لسهرة جمعتها مع الاوركسترا اللبنانية بقيادة الملحن وليد غلمية، اللذين شكلا ثنائياً متفاهماً فــي كل نوتة، أقــلّ ما يقال عنهما انهما يفهمان نفسيهما جيداً ويدرسان تحرّكاتهما معاً. لمع صوت الشابة في أرجاﺀ بيت الدين، معلنة حالة من التمرّد وصرخت بأعلى صوتها النابع من أقصى العذاب، وغنّت للحبّ ولله وللوطن، أجمل الكلمات المنتقاة مــن القاموس العربي، فكيف لا وقد كتبها كبار الشعراﺀ العرب واللبنانيين.
فــي كــل مقطع كــانــت تــؤديــه القواس، كان مختلفاً عن السابق، فقد اختارت باقة من أجمل أعمالها، منها: اشممت عطري ولأني أحيا وهــمــا مــن كلمات الــشــاعــرة ندى الحاج، وكذلك وإنت أنا من كلمات الراحل كمال جنبلاط، إضافة إلى يا نسيم الــروح من شعر الحلاج، وتحبني الــتــي كتبتها الكاتبة هدى النعماني، وايضاً مقطوعات غنائية خاصة ببيت الــديــن. في كــل اســتــراحــة قصيرة للقواس، كانت الاوركــســتــرا تتولى تعبئة الوقت بتقديم أفضل ما عندها، لتثبت مــرة أخــرى أنها أوركسترا متكاملة العناصر وأن العازفين فيها يملكون خبرة ليست قليلة لا يستهان بها أبداً. عبّرت قواس في كلمة عفوية عن مدى سعادتها في حضورها هذا، وأنها جالت في العالم كلّه واليوم جلبته إلى لبنان ليكون حاضراً في بيت الدين.

استمر الحفل نحو ساعتين من العزف المتواصل، ولم تملّ أذن المستمع منه، بــل شعرت أنها تتعطّش لذلك الفنّ وليس للفنّ الهابط الــذي يصدح في غالبية الفنّ اليوم. كانت القواس أشبه بطير السلام يبعث الحبّ في كل أغنية ويدعو للراحة، ودعت للحب والمحبة واختارت عبارات جميلة لوصف الله المليﺀ بالمحبة. ويعتبر افتتاح مهرجانات بيت الدين بمثابة رحلة أطلقت صفارتها هبة الــقــواس، لتبدأ مــراســم الحفلات أسبوعياً تقريباً، لتثبت أنها رقم صــعــب فــي عــالــم الــمــهــرجــانــات وأن القيمين عليها يضعون كل ثقلهم مــن أجــل نجاح الحفلات وإعــلاﺀ شأنها. وشكّلت القواس وغلمية والعازفون، باقة فنية لم تعرف الخطأ أبداً، وقدّمت وصلات متكاملة لا يمكن لأحد منافستها.

اختارت مهرجانات بيت الدين أن يكون الافتتاح لبنانياً أصيلاً مئة في المئة، وغنيّا بالتراث الأصيل والصوت الذي لا نهاية له ويكفي فقط الجلوس في الهواﺀ الطلق و "برد" بيت الدين والابحار في عالم لا نريد أن نستيقظ منه.


تتوالى العروض الفنية في مهرجانات بيت الدين وكــان آخــرهــا cirque le invisible الــذي أدتــه فيكتوريا شارلي شابلن